
في تطور لافت على الساحة السورية، أصدر رجل الأعمال والمهندس أيمن جابر بيانًا سياسيًا تزامن مع زيارة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إلى موسكو، أعلن فيه عن بدء تنفيذ اتفاق سوري-روسي يتضمن عفوًا عامًا وعودة الضباط السابقين إلى الجيش السوري تحت إشراف مباشر من القيادة الروسية. هذا البيان، الذي حمل نبرة حاسمة وموجهة لأبناء الساحل وسهل الغاب وريف حمص، يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مستقبل الدولة السورية، وإعادة هيكلة مؤسساتها العسكرية.
جاء البيان في لحظة سياسية دقيقة، حيث تشهد سوريا تحولات ميدانية في مناطق الساحل وريف حمص، بالتوازي مع تقارب روسي-سوري متجدد. أيمن جابر، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع موسكو، اختار أن يوجه خطابه إلى “السوريين الأحرار”، مؤكدًا أن ما كان يُطبخ في الخفاء أصبح اليوم واقعًا ملموسًا. هذه اللغة الرمزية تعكس رغبة في طي صفحة الماضي، وفتح أخرى عنوانها “السيادة والأمن”، كما وصفها جابر.
العفو العام الذي أشار إليه البيان لا يُعد مجرد إجراء قانوني، بل هو خطوة سياسية تهدف إلى إعادة دمج فئات واسعة من السوريين الذين كانوا خارج المنظومة الرسمية، سواء لأسباب سياسية أو عسكرية. هذا العفو، إن تم تنفيذه فعليًا، قد يشكل إعادة تعريف للشرعية الوطنية، ويمنح فرصة للمصالحة الداخلية، خصوصًا في المناطق التي شهدت انقسامات حادة خلال سنوات الحرب.
عودة الضباط السابقين إلى الجيش السوري بإشراف روسي تطرح إشكالية مزدوجة: هل نحن أمام إعادة هيكلة حقيقية للمؤسسة العسكرية، أم مجرد إعادة تدوير للوجوه القديمة ضمن إطار جديد؟ بحسب تقارير متقاطعة، فإن بعض الأسماء المطروحة للعودة، مثل العميد مناف طلاس، تحظى بقبول دولي وإقليمي نسبي. هذا يعزز فرضية أن موسكو تسعى إلى بناء جيش وطني جديد، أكثر تماسكًا وأقل ارتباطًا بالولاءات الطائفية أو الحزبية.
ومع تداول أنباء الإشراف الروسي على هذه العملية الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا. فبين من يرى فيه ضمانة للاستقرار ومن يعتبره وصاية سياسية وعسكرية، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى استقلالية القرار السوري في هذه المرحلة. روسيا، التي عززت نفوذها في سوريا منذ 2015، تبدو اليوم وكأنها ترسم ملامح المرحلة الانتقالية، ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا أيضًا.
بيان أيمن جابر لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي. إنه إعلان غير رسمي عن مرحلة انتقالية قد تكون أكثر واقعية من أي مسار تفاوضي سابق. لكن نجاح هذه المرحلة يتوقف على مدى شمولية العفو، وشفافية إعادة هيكلة الجيش، وقدرة السوريين على تجاوز الانقسامات نحو مشروع وطني جامع.



